كان ياما كان في قديم الزمان، وخير ما نبدأ به الكلام الصلاة على سيدنا محمد خير الأنام ".
عندما
تتم الأم هذه العبارة السحرية تكون أذهان الأطفال قد تهيأت للانتقال إلى
عالم واسع من الخيال، يحلقون فيه مستمتعين بتقمص شخصيات أبطال الحكاية،
وتخيل أجوائها.
أما أنا فإن ذكرياتي عن الحكاية تحفل
بالعديد من الصور الرقيقة، التي كانت تبهرني بروعتها، فمن وصف قصور
السلاطين وما تحتويه من روائع جميلة، إلى جمال ست الحسن الباهر.. إلا أنني
كنت أعرف منذ صغر سني أن ليس كل الحكايا على هذا المستوى من التحليق
الرومانسي، كنت أستمع لصديقاتي وهن يتحدثن عن ارتجافهن رعبا في ظلمة الليل
الحالك.. وهن يستمعن لحكايا عن قصص الجن، والعفاريت، قسوة زوجة الأب.. وما
إلى ذلك، فلم تكن كل الجدات مثل جدتي ولا كل الأمهات مثل أمي.
·لماذا العنف في الحكاية؟
فالحكاية
لم تكن تسير دائماً على نفس النسق من بعث مشاعر الحبور والبهجة في نفوس
الأطفال، بل كانت في كثير من الأحيان تستخدم أيضاً كعامل ترهيب، تلجأ إليه
الأمهات المتعبات لكي تخوف الصغار وتدفعهن قسراً إلى الهدوء، فالخوف
والدهشة تجعل الصغار ينصرفون عن الشغب وجلب المتاعب لأمهاتهم.
إن
تراثنا الشعبي الموروث للحكايات يحفل للكثير الكثير من القصص التي تعتمد
على الجن والعفاريت، والأعمال الخارقة التي تستطيع أن تجعل أي طفل يقف
مذهولاً، وبدنه مقشعر وأطرافه ترتجف، وقد كانت الأمهات يلجأن لمثل هذا
النوع من الحكايا لتغطية عجزهن في ضبط سلوك أطفالهن، فعندما تشعر الأم أن
جعبتها قد نفذت من أساليب التعامل مع الصغار، وأنه لم يعد باستطاعتها تحمل
مشاغباتهم، كانت تلجأ إلى سرد قصة مرعبة تتضمن تهديد مبطن لمن يشاغب بأنه
سينال عقابا قاسيا من قوى مجهولة، وهناك قصص نالت شهرة في تراثنا المحكي،
مثل أمنا الغولة وسبدلة الذي يشق الحيط ويتدلى... وغيرها من الحكايا،
وعلينا أن نعترف أن مثل هذه القصص لها تأثير قوي على شخصية الطفل، فإما أن
يصبح جبان مهزوز، أو أن يتحول إلى عفريت حقيقي لا تخيفه حكايا الجان
والعفاريت.. ولا أي شيء في الدنيا.
والحقيقة أن انتشار مثل
هذا النوع من الحكايا جعل الكثير من الأمهات الواعيات يأخذن موقفا سلبياً
من الحكاية، ويحاولن أن يبعدن أولادهن عن الجدات وقصص الجدات خوفا من أن
يتعرض الطفل لصدمة تؤثر على نفسيته نتيجة العنف في القصص التي ترويها له
جدته، وصارت الأمهات يفضلن أفلام الرسوم المتحركة، أو قصص الأطفال
المطبوعة، وربما كان هذا هو أحد أسباب الانصراف عن الحكاية والزهد فيها
كأسلوب للتواصل مع الطفل وتربيته.
·هل الرعب في الحكاية هو مصدر المتعة فيها ؟
إن
الحكاية كما عرفناها وألفناها لا تكون حكاية ناجحة إذا لم تشدك إلى عالمها
بقوة تجعلك تذهل عن واقعك، مما يحرر خيالك ويجعله قادراً على التحليق في
عالم ترسمه له الحكاية.
وهذا ما يجعل للرعب دوراً مختلفاً
في عالم الحكي، دوراً أكبر من إسكات صبي مشاغب، فهو يدخل في البنية
الأساسية للحكاية، فالحكاية لا تكون حكاية بحق إذا لم تكن تحتوي على عناصر
الدهشة والإبهار، ولكن يجب أن نعترف أن تحقيق ذلك الإبهار الشديد ليس
مقصوراً على الرعب فقط، فقد يتحقق ذلك عن طريق تحقيق خوارق على يد البطل،
أو أن هذه الخوارق تأتي على يد أناس من العالم الآخر، من الجن والعفاريت
والسحرة، وما إلى ذلك من الأشياء التي تجعل الإنسان يحملق بعينيه وفمه
مفتوح وقد سيطر عليه الذهول.
ويحق لنا أن نتساءل ما الذي
دفع الحكواتية لاستخدام مثل هذا الأسلوب العنيف في الطرح؟ وما الذي أجبرهم
على البحث عن مثل هذا المستوى العالي من الإبهار؟
يجيبنا
على ذلك السؤال الحكواتية فرانسواز غروند وهي حكواتية فرنسية ماهرة،
وصاحبة دكتوراه في علوم القص ولها أبحاث عديدة في هذا المجال.